سورة السجدة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


قوله: {وَقَالُواْ أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} فيه ثلاثة أوجه
أحدها: هلكنا، قاله مجاهد.
الثاني: صرنا فيه رفاتاً وتراباً، قاله قتادة والعرب تقول لكل شيء غلب عليه غيره حتى خفي فيه أثره قد ضل، قال الأخطل:
كنت القذى في موج أكدر مزبد *** تقذف الأتيُّ به فَضَلَّ ضلالاً.
الثالث: غُيِّبنا في الأرض، قاله قطرب وأنشد النابغة:
فآب مُضلُّوه بعين جلية *** وغودر بالجولان حزمٌ ونائل
وقرأ الحسن: {صللنا} بصاد غير معجمة وفيه على قراءته وجهان
أحدهما: أي أنتنت لحومنا من قولهم صل اللحم إذا أنتن، قاله الحسن.
الثاني: صللنا من الصلة وهي الأرض اليابسة ومنه قوله تعالى: {مِن صَلصَالٍ كَالْفَخَّارِ} {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي أَتُعَادُ أجسامنا للبعث خلقاً جديداً تعجباً من إعادتها وإنكاراً لبعثهم وهو معنى قوله تعالى:
{بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِم كَافِرُونَ} وقيل إن قائل ذلك أُبي بن خلف
قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوتِ الَّذِي وُكّلَ بِكُمْ} أي يقبض أرواحكم والتوفي أخذ الشيء على تمام، مأخوذ من توفية العدد ومنه قولهم استوفيت دَيْني من فلان.
ثم في توفي ملك الموت لهم قولان:
الأول: بأعوانه.
الثاني: بنفسه. روى جعفر الصادق عن أبيه قال نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ملك الموت: «ارْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ» فقال ملك الموت عليه السلام يا محمد طب نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق واعلَمْ أن ما من أهل بيت مدر ولا شعر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى لأنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، واللَّه يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله تعالى هو الآمر بقبضها، قال جعفر إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلوات.

{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم تُرْجعُونَ} فيه وجهان
أحدهما: إلى جزائه.
الثاني: إلى أن لا يملك لكم أحد ضراً ولاً نفعاً إلا اللَّه.


قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُسِهِم عِند رَبِّهمُ} أي عند محاسبة ربهم وفيه أربعة أوجه:
أحدها: من الغم، قاله ابن عيسى.
الثاني: من الذل، قاله ابن شجرة.
الثالث: من الحياء، حكاه النقاش.
الرابع: من الندم، قاله يحيى بن سلام.

{رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} فيه وجهان
أحدهما: أبصرنا صدق وعيدك وسمعنا تصديق رسلك، قاله ابن عيسى.
الثاني: أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا، قال قتادة، أبصروا حين لم ينفعهم البصر وسمعوا حين لم ينفعهم السمع.
{فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} أي ارجعنا إلى الدنيا نعمل فيها صالحاً

{إِنَّا مُوقِنُونَ} فيه وجهان
أحدهما: مصدقون بالبعث، قاله النقاش.
الثاني: مصدقون بالذي أتي به محمد صلى الله عليه وسلم أنه حق، قاله يحيى بن سلام.
قال سفيان: فأكذبهم الله فقال: {وَلَو رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنهُ} [الأنعام: 28] الآية.
قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍٍ هُدَاهَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هدايتها للإيمان.
الثاني: للجنة.
الثالث: هدايتها في الرجوع إلى الدنيا لأنهم سألوا الرجعة ليؤمنوا.
{وَلَكِنْ حَقَّ الْقَولُ مِنِّي} فيه وجهان
أحدهما: معناه سبق القول مني، قاله الكلبي ويحيى بن سلام.
الثاني: وجب القول مني، قاله السدي كما قال كثير:
فإن تكن العتبى فأهلاً ومَرْحباً *** وحقت لها العتبى لدنيا وقلّت
{لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِن الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} يعني من عصاه من الجنة والناس. وفي الجنة قولان:
أحدهما: أنه الجن، قاله ابن كامل.
الثاني: أنهم الملائكة، رواه السدي عن عكرمة، وهذا التأويل معلول لأن الملائكة لا يعصون الله فيعذبون. وسموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار ومنه قول زيد بن عمرو:
عزلت الجن والجنان عني *** كذلك يفعل الجلد الصبور
قوله: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فيه وجهان:
أحدهما: فذوقوا عذابي بما تركتم أمري، قال الضحاك.
الثاني: فذوقوا العذاب بما تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم، قاله يحيى بن سلام.

{إِنَّا نَسِينَاكُمْ} فيه وجهان
أحدهما: إنا تركناكم من الخير، قاله السدي.
الثاني: إنا تركناكم في العذاب، قاله مجاهد.
{وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ} وهو الدائم الذي لا انقطاع له
{بِمَ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني في الدنيا من المعاصي، وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوماً لإحساسها به كإحساسها بذوق الطعام، قال ابن أبي ربيعة:
فذُقْ هجرها إن كنت تزعم أنه *** رشاد ألا يا رب ما كذب الزعم


قوله: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بئَايَاتِنَا} فيه وجهان
أحدهما: يصدق بحجتنا، قاله ابن شجرة.
الثاني: يصدق بالقرآن وآياته، قاله ابن جبير.
{الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً} فيه وجهان
أحدهما: الذين إذا دعوا إلى الصلوات الخمس بالأذان أو الإقامة أجابوا إليها قاله أبو معاذ، لأن المنافقين كانوا إذا أقيمت الصلاة خرجوا من أبواب المساجد.
الثاني: إذا قرئت عليهم آيات القرآن خضعوا بالسجود على الأرض طاعة لله وتصديقاً بالقرآن. وكل ما سقط على شيء فقد خر عليه قال الشاعر:
وخر على الألاءِ ولم يوسد *** كأن جبينه سيف صقيل
{وَسَبَّحُواْ بِحْمْدِ رَبِّهِمْ} فيه وجهان
أحدهما: معناه صلوا حمداً لربهم، قاله سفيان.
الثاني: سبحوا بمعرفة الله وطاعته، قاله قتادة.
{وَهُمْ لاَ يَستَكْبِرُونَ} فيه وجهان
أحدهما: عن عبادته، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: عن السجود كما استكبر أهل مكة عن السجود له، حكاه النقاش.
قوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عِنِ الْمَضَاجِعِ} أي ترتفع عن مواضع الاضطجاع قال ابن رواحة:
يبيت يجافي جنبه عن فِراشِه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان
أحدهما: لذكر الله إما في صلاة أو في غير صلاة قاله ابن عباس والضحاك.
الثاني: للصلاة-روى ميمون بن شبيب عن معاذ بن جبل قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال: «إِنْ شِئْتَ أَنبَأْتُكَ بَأبوابِ الْخَيرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئ الخَطِيئَة وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيلِ» ثم تلا هذه الآية.
وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقاويل:
أحدها: التنفل بين المغرب والعشاء، قاله قتادة وعكرمة.
الثاني: صلاة العشاء التي يقال لها صلاة العتمة، قاله الحسن وعطاء.
الثالث: صلاة الصبح والعشاء في جماعة، قاله أبو الدرداء وعبادة.
الرابع: قيام الليل، قاله مجاهد والأوزاعي ومالك وابن زيد.
{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} فيه وجهان
أحدهما: خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته.
الثاني: خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه.
ويحتمل ثالثاً: يدعونه في دفع ما يخافون والتماس ما يرجون ولا يعدلون عنه في خوف ولا رجاء.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} فيه أربعة تأويلات
أحدها: يؤتون الزكاة احتساباً لها، قاله ابن عباس.
الثاني: صدقة يتطوع بها سوى الزكاة، قاله قتادة.
الثالث: النفقة في طاعة الله، قال قتادة: أنفقوا مما أعطاكم الله فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها.
الرابع: أنها نفقة الرجل على أهله.
قوله: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} فيه قولان:
أحدهما: أنه للذين تتجافي جنوبهم عن المضاجع، قاله ابن مسعود.
الثاني: أنه للمجهدين قاله تبيع. وفي {قُرَّةِ أَعْيُنٍ} التي أخفيت لهم أربعة أوجه:
أحدها: رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنِي أَعْدَدْتُ لِعبَادي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ اقْرَأُواْ إِنْ شِئْتُم: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ}» الآية.
الثاني: أنه جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله ما أعده لهم. قال الحسن بالخفية: خفية وبالعلانية علانية.
الثالث: أنها زيادة تحف من الله ليست في حياتهم يكرمهم بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، قاله ابن جبير.
الرابع: أنه زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم، قاله كعب.
ويحتمل خامساً: اتصال السرور بدوام النعيم.
{جَزَآءً بِمَ كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني من فعل الطاعات واجتناب المعاصي.

1 | 2 | 3 | 4